المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية National Center For Mental Health Promotion حيـــاة أفضــل
القائمة الرئيسية

صحة الأب النفسية من الولادة وما بعدها

صحة الأب النفسية من الولادة وما بعدها

 

 في اليوم العالمي للأب، نُسلّط الضوء على جانبٍ لا يزال مغفلًا في النقاشات العامة عن الصحة النفسية، وهو: اكتئاب ما بعد الولادة لدى الآباء. فمع التقدّم الكبير في دعم الصحة النفسية للأمهات خلال مرحلة ما بعد الولادة، فلا يزال الآباء يواجهون تحديات نفسية صامتة وغير مرئية، تتفاقم أحيانًا بسبب ضعف الوعي المجتمعي وغياب منظومة دعم شاملة للرجل في هذه المرحلة الحساسة.

انتشار الاكتئاب لدى الآباء في مرحلة ما بعد الولادة :

تشير دراسة سعودية مقطعية أُجريت في مدينة جدة عام 2025 إلى أن نحو 30% من الآباء أظهروا أعراضًا تتعلق باكتئاب ما بعد الولادة. ومن بين أبرز العوامل المرتبطة بارتفاع خطر الإصابة:

- وجود تاريخ سابق لفقدان طفل.

- خلفية عائلية من اضطرابات المزاج أو الاكتئاب.

- ضعف العلاقة الزوجية أو غياب التفاهم الأسري.

- اضطرابات النوم المزمنة.

- انخفاض تقدير الذات والشعور بالعجز.

- العزلة الاجتماعية وقلة الدعم المجتمعي.

وقد أكد بحث أُجري في مستشفى الملك عبد العزيز الجامعي عام 2020 هذه المؤشرات، مع إبراز أهمية وجود دعم اجتماعي فعّال للتخفيف من حدة هذه الأعراض وتعزيز التوازن النفسي للآباء.

السمات النفسية والسلوكية لاكتئاب الأب :

يختلف الاكتئاب عند الرجال عن المظاهر النمطية الشائعة لدى النساء. فبدلًا من البكاء أو التعبير اللفظي عن الحزن، قد يظهر اكتئاب ما بعد الولادة عند الأب من خلال:

- نوبات غضب وانفعال مفاجئ.

- ميول للانسحاب من التفاعل الأسري.

- سلوكيات متهورة أو اندفاعية.

- تراجع واضح في الأداء المهني أو الاجتماعي.

- زيادة اللجوء إلى التدخين أو الممارسات السلبية كآلية هروب.

تُعقّد هذه الأعراض التشخيص، ويؤدي إغفالها إلى تدهور جودة العلاقة الزوجية، وتضاؤل الرابطة العاطفية بين الأب وطفله، ما قد يؤثر سلبًا في النمو النفسي والسلوكي للطفل.

تأثير اكتئاب الأب في الطفل والأسرة :

تشير مراجعة علمية منهجية (Sweeney & MacBeth, 2016) إلى أن اكتئاب الآباء له أثر مباشر في:

- انخفاض التفاعل العاطفي مع الطفل.

- تزايد سلوكيات القلق والانطواء لدى الأبناء.

- ارتفاع خطر إصابتهم بالاكتئاب أو اضطرابات السلوك لاحقًا.

- إضعاف القدرة على بناء علاقة أبوية آمنة.

ومن ثم، فإن إهمال صحة الأب النفسية لا يضر به وحده، بل يمتد أثره إلى النسيج العائلي كله.

التدخلات العلمية لدعم الآباء نفسيًّا :

يمكن الحد من هذه الآثار من خلال تطبيق إستراتيجيات وقائية وعلاجية مدروسة:

1. التشخيص المبكر:

تضمين تقييمات نفسية دورية للآباء ضمن برامج ما بعد الولادة في الرعاية الصحية الأولية، مع أدوات تقييم مخصصة تراعي الفروقات الجندرية في التعبير عن الاكتئاب.

2. التثقيف النفسي:

إعداد مواد تثقيفية موجهة للرجال عن أعراض الاكتئاب وطرق التعامل، وتضمين الرسائل التوعوية في حملات الصحة النفسية الوطنية.

3. تحسين الوصول إلى الخدمات النفسية:

تقديم خدمات مرنة تشمل:

-مواعيد مسائية تتناسب مع ظروف العمل.

- عيادات افتراضية أو استشارات عن بُعد.

- مجموعات دعم للآباء بإشراف مختصين.

4. إشراك الأب خلال الحمل وما بعد الولادة:

تشجيعه على حضور الصفوف التثقيفية، وزيارات الأم والطفل، ومشاركته في التخطيط النفسي والاجتماعي للأسرة.

5. تمكين الأسرة كوحدة دعم:

تعزيز التفاهم بين الزوجين من خلال استشارات أسرية، وبرامج تدخل مشترك تراعي التوازن العاطفي والضغوط المشتركة.

الأبوة: رحلة نفسية متواصلة :

لا تقتصر الضغوط النفسية على الأشهر الأولى بعد الولادة، بل تمتد مع تطورات الطفل والعائلة. ومن أبرز ما يواجهه الآباء:

- صعوبات تحقيق التوازن بين العمل والأسرة.

- توقعات مجتمعية عالية من "دور الأب النموذجي".

- تحديات في التعبير العاطفي أو تفهّم الاحتياجات النفسية للطفل.

- تغيرات العلاقة الزوجية وتوزيع الأدوار بعد الإنجاب.

هذه الضغوط تدعو إلى توفير بنية دعم متكاملة ترافق الأب عبر مراحل حياته الأبوية، وتؤكد أن صحته النفسية عامل رئيسٌ في تنمية أسرة صحية ومستقرة.

خاتمة :

دعم الصحة النفسية للآباء ليس ترفًا ولا مطلبًا فرديًّا، بل هو استثمار وطني في جودة العلاقات الأسرية، وسلامة النمو النفسي للأطفال، واستقرار المجتمع. آن الأوان أن ننظر إلى الرجل كطرف مؤثر ومتأثر في منظومة الصحة النفسية الأسرية، ونطوّر تدخلات موجهة تراعي طبيعته وتحدياته، وتؤمِّن له المساحة الآمنة للفهم والعلاج والتعافي.

 

مصدر1  مصدر2  مصدر3  مصدر4  مصدر5  مصدر6 مصدر7