حماية المسنين من الإساءة: التركيز على الصحة النفسية
ينبغي تسليط الضوء على قضية إنسانية ملحة، ألا وهي إساءة معاملة المسنين؛ دعوةً إلى التأمل في معاناة فئة عزيزة من مجتمعنا، ممن أفنوا أعمارهم في العطاء.
وقد تتخذ الإساءة للمسنين أشكالًا متعددة، من الإهمال الجسدي إلى الاستغلال المالي ونحو ذلك، لكن تبقى الإساءة النفسية هي الأخطر، كونها غير مرئية، ولأنها تترك جروحًا عميقة في كرامة المسن وصحته النفسية.
إن التقدم في العمر لا يقلل من حق الإنسان في الكرامة، والاحترام، والدعم النفسي المتكامل. ومن هنا تنبع أهمية تسليط الضوء على الصحة النفسية للمسنين، فهي خط الدفاع الأول ضد كل أشكال الإساءة، في حماية هذه الفئة، وتمكينهم من العيش بطمأنينة في مجتمع يحتضنهم ويقدرهم حق التقدير.
حماية المسنين من الإساءة: صحة نفسية في القلب:
لا يمكن تجاهل الانعكاسات النفسية العميقة لظاهرة إساءة معاملة المسنين، التي تترك أثرًا يستمر طويلًا حتى بعد زوال الإساءة الجسدية أو المالية. تَبرز المسؤولية الوطنية في الوقاية والحماية، وتقديم الدعم النفسي الذي يتجاوز علاج الأعراض الجسدية.
أثر الإساءة النفسية في المسنين:
القلق، والاكتئاب، والوحدة: أكدت منظمة الصحة العالمية ارتباط الإساءة النفسية بمعدلات مرتفعة من القلق والاكتئاب، وقد تصل أحيانًا إلى التفكير بالانتحار.
أوضحت دراسة صينية علاقة قوية بين الإساءة النفسية وتفاقم أعراض الاكتئاب والقلق، وذلك يؤكد ضرورة التركيز العلاجي على معالجة العزلة والشعور بالوهم.
دراسة ميدانية في السعودية أظهرت أن 88% من كبار السن يعانون أعراض إساءة نفسية، مع تأثر معنوياتهم وثقتهم بأنفسهم.
العنف النفسي يؤدي إلى تطور اضطرابات نفسية مثل PTSD، يرافقها الانسحاب الاجتماعي وفقدان الهدف.
تسريع التدهور المعرفي: وجدت دراسات أن التوتر المباشر الناتج عن الإساءة يمكن أن يسرّع الانحلال المعرفي، مؤثرًا بذلك في مستويات الذاكرة والانتباه لدى المسن.
نحو تحويل الرؤية إلى عمل فعال في بناء شبكة حماية وحاضنة نفسية للمسنين:
ينبغي اتخاذ بعض الآليات والوسائل في سبيل ذلك، وأهمها:
التوعية المجتمعية:
أي إنشاء حملات متواصلة تَبُثُّ رسائل الدعم والاحترام للمسنين، وتعمل على تغيير التصورات السلبية عن الشيخوخة.
خطوط الدعم النفسي:
أرقام طوارئ ومراكز اتصال متخصصة تتيح للمسنين التعبير عن مشاعرهم والإبلاغ عن حالات الإساءة النفسية التي يتعرضون لها.
تدريب المهنيين:
تنظيم ورش عمل للعاملين في دور الرعاية والمستشفيات، لتدريبهم على كيفية التعرف إلى علامات الإساءة النفسية والتعامل معها بعناية وحساسية.
الشراكات المؤسسية:
التعاون مع دور الرعاية، وتقديم استشارات نفسية مستمرة للمنتسبين، إضافة إلى برامج زيارات دورية تشرف عليها فرق نفسية متعددة التخصصات.
إجراءات فاعلة للحماية النفسية :
1. الرقابة المجتمعية: تشجيع الجيران والمجتمع على التحقق من حالة المسنين والإبلاغ عن علامات الإساءة النفسية.
2. الزيارات المنزلية الذكية: هي برامج دعم تشمل زيارات نفسية منتظمة وتقييم الحالة النفسية وفق مؤشرات مثل تغير المزاج، والانسحاب الاجتماعي، والأرق.
3. بناء شبكات دعم: تأسيس مجموعات تكافل تتيح للمسنين لقاءات دورية لتعزيز التواصل وتخفيف الوحدة.
4. تدريب مقدمي الرعاية وتثقيفهم: عن طريق برامج إلزامية تدريبية في الإساءة النفسية وكيفية تشخيص العلامات وإحالة الحالة للعلاج النفسي.
5. تكامل الخدمة الطبية: أي دمج الدعم النفسي ضمن فحوص المسنين الدورية؛ إذ أظهرت نتائج منظمة الصحة العالمية أن التدخل النفسي المبكر يقلل من الأعراض ويعزز الكفاءة العامة.
الخاتمة:
في رحلة العمر، يستحق كبارنا أن يُعامَلوا بلطف يوازي عطاءهم الكبير، وباحترام يصون كرامتهم، لا أن يُتركوا في عزلة تؤلم الروح أكثر من الجسد. فالإساءة النفسية، وإن كانت صامتة، تترك صدًى طويلًا في أعماق النفس، وتُضعف ما تبقَّى من طاقة للحياة. إن تعزيز الصحة النفسية للمسنين ليس ترفًا، بل ضرورة لحمايتهم من انكسار داخلي لا يُرى. فلنكن صوتًا لمن صمتوا طويلًا، وسندًا لمن كانوا لنا يومًا وطنًا، ولنجعل من التوعية عملًا مستدامًا يُثمر مجتمعًا لا يكتفي باحترام كبار السن وتقديرهم، بل يحتضنهم بكل ما يملكه من إنسانية.
مصدر1 مصدر2 مصدر3 مصدر4 مصدر5 مصدر6 مصدر7