الفراغ النفسي: حين لا نشعر بأنفسنا.. كيف نعود؟
هل مررتَ بيوم شعرت فيه أن كل شيء يسير طبيعيًّا، لكنك من الداخل تشعر بأنك "غير موجود"؟
تنجز أعمالك، تتحدث مع من حولك، تبتسم، وتبدو بخير، لكنك لا تحس بشيء حقيقي؟
هذا هو ما يُعرف بالفراغ النفسي. ليس حزنًا واضحًا، ولا تعبًا جسديًّا، بل شعور داخلي صامت، وكأنك فقدت الاتصال مع نفسك.
ما الفراغ النفسي؟
الفراغ النفسي هو حالة يشعر فيها الإنسان بأنه منفصل عن مشاعره أو عن ذاته أو عن معنى ما يفعله.
قد لا يعرف كيف يصف ذلك، لكنه يشعر أنه يؤدي حياته دون أن يشعر بها.
مثل من يمشي في طريق طويل دون أن يعرف إلى أين يذهب، أو لماذا.
هل هذا يعني أنني مصاب بالاكتئاب؟
ليس بالضرورة؛ فالفراغ قد يُشبه بعض أعراض الاكتئاب، مثل قلة المشاعر، أو انعدام الرغبة، لكنه يختلف عنه.
فالاكتئاب غالبًا يصاحبه حزن واضح، وانخفاض في النشاط، وأفكار سلبية عن الذات. أما الفراغ فيكون أحيانًا صامتًا، دون حزن، لكن مع شعور داخلي بالجمود أو اللاشيء.
أنواع الشعور بالفراغ
يمكن أن يظهر الفراغ بطرق مختلفة، منها:
1. فراغ الهوية:
تشعر بأنك لا تعرف من أنت، وتغيّر رأيك أو أسلوبك مع كل شخص.
2. الفراغ العاطفي:
تمر مواقف مهمة في حياتك، لكن لا تشعر بشيء حقيقي تجاهها.
3. الفراغ من المعنى:
تفعل الكثير، لكنك لا ترى فائدة مما تفعله؛ كأنك تنفّذ فقط، دون إحساس.
4. الفراغ في العلاقات:
تجلس مع الناس وتضحك، لكن تشعر أن لا أحد يفهمك بعمق، وكأنك "وحدك".
ما أسباب هذا الشعور؟
تختلف الأسباب، لكنها غالبًا تعود إلى:
- تجارب طفولة لم تجد فيها من يفهم مشاعرك أو يسميها لك.
(مثلًا: تبكي وأنت صغير، فيقال لك "لا تبكِ" بدل أن يقال "أنت حزين؟").
- كثرة الرسائل التي تقلل من مشاعرك أو ترفضها.
(مثل: "ما فيك شيء"، "أنت حساس"، "لا تبالغ").
- مواقف صعبة مثل فقدان شخص، أو خذلان، أو انفصال دون دعم.
- العيش بطريقة لا تشبهك، فقط لإرضاء الآخرين، دون أن تعيش ما يعكس قيمك الحقيقية.
كيف أتعامل مع هذا الشعور؟
1. اعترف بما تشعر به، ولا تقلل منه
قل لنفسك: "أشعر بفراغ داخلي. هذا ليس ضعفًا، بل علامة على أنني بحاجة أن أقترب من نفسي أكثر".
2. اهتم بجسدك
أحيانًا يبدأ التغيير من أيسر الأشياء، مثلًا:
اشرب ماءً كافيًا.
نم جيدًا.
مارس رياضة خفيفة.
خذ نفسًا عميقًا ببطء.
3. ابحث عن قيمك الحقيقية
ما الشيء الذي تحب أن تكون عليه؟ صادق؟ كريم؟ مستقل؟
اختر كل يوم "قيمة" وطبّقها بفعل يسيرٍ.
مثلًا: اعتذار، قول كلمة طيبة، كتابة خاطرة صادقة.
4. سجّل اللحظات التي شعرت فيها بأنك "موجود"
في دفتر صغير، اكتب كل يوم موقفًا عاديًّا شعرت فيه بأنك قريب من نفسك، حتى لو كان مجرد مشي هادئ أو تأمُّل في السماء.
5. تحدث مع شخص تثق به، كما أنت
ليس مطلوبًا أن "تبدو بخير"، بل قل له: "لا أعرف كيف أشرح شعوري، لكن أحتاج أن أتكلم فقط".
فأن تكون مسموعًا بصدق؛ فذلك يُعيد لك شعورك بذاتك.
6. لا تتردد في طلب المساعدة من مختص نفسي
إذا استمر الشعور، أو شعرت بأنه يؤثر في حياتك، فطلب الدعم النفسي خطوة ناضجة، وتُساعدك على إعادة التوازن.
خطة يسيرة 30 يومًا لمواجهة الشعور بالفراغ
الأسبوع الأول:
اكتب مشاعرك كل صباح، حتى لو بكلمة واحدة.
راقب متى تشعر بأي لحظة "حقيقية".
الأسبوع الثاني:
اختر كل يوم "قيمة" تحب أن تعيش بها، وطبّقها.
(مثال: الشجاعة = اتخاذ قرار بسيط، الرحمة = دعم شخص).
الأسبوع الثالث:
تواصل مع شخص واحد بلغة صادقة؛ فلا تُجامل، ولا تُجبر نفسك على التظاهر.
ابتعد عن العلاقات التي تُشعرك أنك تمثل دورًا.
الأسبوع الرابع:
راجع دفترك؛ ما اللحظات التي شعرت فيها أنك "أنت"؟
اكتب رسالة لنفسك تبدأ بـ:
"أنا أراك الآن؛ برغم كل الصمت، أنت هنا، وتستحق أن تعود صلتك بالحياة".
خاتمة:
الفراغ لا يعني أنك ضعيف؛ بل يعني أنك كنت بعيدًا عن نفسك، وحان الوقت لتعود خطوة بخطوة، ولحظة بلحظة، بصوتك الحقيقي، بنفسك كما هيه.