المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية National Center For Mental Health Promotion حيـــاة أفضــل
القائمة الرئيسية

فهم طبيعة المشاعر

فهم طبيعة المشاعر

 
 

لا يمكن أبدًا فصل المرء عن مشاعره، فالمشاعر ليست مجرد ردود فعل لحظية، بل هي جزء جوهري من كيانه الداخلي. تشكّل المشاعر نسيجًا أساسيًّا لحياتنا اليومية، فهي التي تُضفي المعنى على تجاربنا، وتؤثر في قراراتنا، وترسم ملامح علاقاتنا بالآخرين. كل شعور مر بنا، سواء كان إيجابيًّا أو سلبيًّا، ينطلق من سبب أو تجربة، حتى وإن بدا في لحظته أنه بلا مبرر واضح. أحيانًا نشعر بالحزن أو القلق دون فهم مباشر لما يجري بداخلنا، لكن غالبًا ما تكون هناك تجارب سابقة، أو أفكار غير واعية، أو مواقف صغيرة تحرك شيئًا في أعماقنا.

المشاعر، مثل الفرح، والغضب، والخوف، وأو الطُّمأنينة وغيرها، ليست عبثية. ؛ بل تحمل إشارات ذات معنًى، ويمكننا تعلّم تلك الإشارات وقراءتها والتعامل معها بوعي. الخوف، مثلًا، قد يكون دافعًا للانتباه أو لحماية الذات من خطر محتمل، أما الحزن فقد يكون  مؤشرًا للتوقّف والتأمل في فقدٍ أو ألم مررنا به. وجميع المشاعر مشروعة بطبيعتها، فهي إذ هي انعكاسات لحالتنا الإنسانية. ؛ فالخطأ ليس في الشعور نفسه، بل في تجاهله أو إنكاره، أو في السماح له بأن يسيطر علينا سيطرة كاملة.

هل يمكننا التحكم بمشاعرنا؟
التحكم بالمشاعر لا يعني تجاهلها أو كبتها، بل يعني التعرف إليها والتعامل معها بوعي. كثيرًا ما نظن أن المشاعر تسيطر علينا، ولكن الحقيقة أننا نملك قدرة على فهمها وتوجيهها إذا درّبنا أنفسنا على ذلك.


الوعي هو الخطوة الأولى؛ أن تقف لحظةً وتسأل نفسك: "ما الذي أشعر به الآن؟ ولماذا؟" هذا السؤال اليسير يفتح بابًا كبيرًا للاستبصار.

فنيات يسيرة وفعالة لإدارة المشاعر:

هناك عادات يومية يمكن أن تُحدث فرقًا في تعاملنا مع مشاعرنا، ومن بينها:

تسمية المشاعر: تسمية ما نشعر به، كأن نقول "أنا غاضب" أو "أشعر بالقلق"، فذلك يساعدنا على فهم حالتنا العاطفية بوضوح؛ فبمجرد أن نُعرّف ما نشعر به، يصبح الشعور أقل غموضًا وأكثر قابلية للإدارة.

التنفس العميق: بضع دقائق من التنفس الهادئ والعميق قادرة على تصفية الذهن وتخفيف التوتر؛ إذ إن هذه الممارسة تُحدث تغيرات فسيولوجية، مثل تنشيط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي (Parasympathetic)، وذلك يساعد تدريجيًّا على تقليل إفراز هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر والإجهاد.

إعادة التقييم الذهني للأحداث: كثيرًا ما تُضخم أفكارنا الأمور؛ لكن عندما نُعيد تقييم الموقف بنظرة أوسع، فربما نجد أن ما أثار الغضب أو القلق ليس كبيرًا كما بدا أول مرة.

التعبير عن الشعور: سواء بالحديث مع صديق مقرب، أو مع مختص نفسي، أو بالكتابة؛ فمن المهم أن نسمح لأنفسنا بالتعبير عما بداخلنا عوضًا عن كتمانه.

تجنُّب ما يثير التوتر إن أمكن: في بعض الأحيان، يكون من الحكمة الابتعاد عن الأشخاص أو المواقف التي تثير المشاعر السلبية لدينا على نحو متكرر.

ختامًا، فلنكن على يقين أن المشاعر لا تظهر في حياتنا مصادفة، بل تحمل في طياتها رسائل مهمة علينا أن نصغي إليها. قد تبدو مرهقة في بعض اللحظات، لكنها في جوهرها دليل يرشدنا لما نحتاج إليه، أو لما نفتقده، أو لما يستحق التغيير في داخلنا. والجميل في الأمر أن التعامل مع المشاعر لا يتطلب الكمال أو الثبات الدائم، بل يكفي أن نكون صادقين مع أنفسنا، حاضرين لما نشعر به دون هروب؛ فكل لحظة نمنح فيها أنفسنا مساحة للفهم، نمنح أنفسنا فرصة لنعيش حياة متزنة تملؤها الراحة والطُّمأنينة.

 

مصدر1 مصدر2