المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية National Center For Mental Health Promotion حيـــاة أفضــل
القائمة الرئيسية

الصمت النفسي.. حين يمنع الخوف من الحديث بدءَ التعافي

الصمت النفسي.. حين يمنع الخوف من الحديث بدءَ التعافي



"حين يعجز الإنسان عن قول: أنا متعب، يُحرَم تلقائيًّا من سماع: نحن معك!".
في مجتمعاتنا، لا يُمنع طلب الدعم النفسي بالقوة، لكنه يُخنق بلغة صامتة: نظرة تشكّك، أو جملة تُقلِّل، أو ابتسامة تخفي نفورًا.
وهكذا يُصبح الحديث عن الألم النفسي عبئًا بحد ذاته، ويصبح الصمت رد الفعل الأسلم، وإن كان أثقل الخيارات.

الاضطراب الصامت: لماذا يخاف الناس من الكلام؟
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن ملايين الأشخاص في العالم يتأخرون في طلب المساعدة النفسية إلى سنوات، وقد لا يطلبونها أبدًا.
السبب غالبًا ليس نقص الوعي أو غياب الخدمة، بل الخوف من الوصمة الاجتماعية، والتردد في الاعتراف بالمعاناة.
فبدلًا من أن يسمع المريض: "ما تمر به طبيعي ويمكن تجاوزه"، يسمع:

"تشكو كثيرًا، اصبر!".
"كثِّر من الذكر، ولا تفكر في هذه الأمور!".
"كلنا متوترون، شد حيلك!".

وهكذا يتحوّل المرض النفسي إلى عبء مزدوج؛ ألم داخلي، وصمت خارجي.

رسائل مجتمعية تحتاج إلى تصحيح
1. "من يراجع طبيبًا نفسيًّا غير طبيعي!"
تشير الدراسات إلى أن غالبية مراجعي العيادات النفسية يعانون قلقًا، أو ضغوطًا، أو اكتئابًا قابلًا للعلاج، وليسوا مرضى "خطيرين" كما يُشاع.
2. "الاكتئاب ضعف شخصية أو قلة إيمان!"
الاضطرابات النفسية ترتبط بعوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية معقدة، وتستجيب للعلاج الفعال لا للّوم.
3. "الانتحار خيار شخصي وضعف ديني!"
تشير الدراسات إلى أن أكثر من 90% من حالات الانتحار ترتبط باضطرابات نفسية غير مشخَّصة أو غير معالَجة، وليس بانعدام القيم.
4. "لا تشتكِ؛ كلنا نمر بظروف!"
هذه العبارة التي تُقال بحسن نية، قد تمنع شخصًا يعاني من الحديث، وتُشعره بأنه مبالِغ أو غير مرحَّب به.

فتح الحديث.. بدء التعافي
الدراسات العالمية والممارسات المجتمعية الحديثة تُظهر أن فتح مساحة آمنة للكلام دون حكم هو إحدى أقوى أدوات الوقاية والعلاج.
في بريطانيا، أدت حملة Time to Talk إلى رفع معدلات طلب العلاج النفسي بنسبة تجاوزت 60% بين الفئات الشابة.
وفي الهند، خفف برنامج Atmiyata من الوصمة، وشجع المجتمعات الريفية على طلب الدعم النفسي دون خجل.

كيف نصنع بيئة داعمة للتعافي؟
الأسرة: بالسؤال الدائم لا عن "التحصيل والإنجاز"، بل عن "الحالة النفسية".
المعلم: باكتشاف التغيرات السلوكية والتعامل معها برحمة لا بعقاب.
زملاء العمل: بعدم التقليل من تجارب الآخرين أو السخرية من مشاعرهم.
الإعلام: بعرض قصص التعافي، لا فقط النماذج السلبية أو المبالغ فيها.
الخطاب الديني: بتأكيد أن طلب العلاج لا يتعارض مع الإيمان، بل يُكمله، وأن التوكل لا يعني تجاهل الاستشارة أو الدواء.

وختامًا، فإننا لن نرى تحسنًا حقيقيًّا في الصحة النفسية، إلا بكسر حاجز الصمت المحيط بها، وفتح الباب للحديث والبوح بالمشاعر، واحترامها وتقديرها حق قدْرِها.

 

مصدر1 مصدر2  مصدر3