المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية National Center For Mental Health Promotion حيـــاة أفضــل
القائمة الرئيسية

لماذا نشعر بعدم الأمان في العلاقات؟ فهم أنماط التعلق الأربعة وبناء الأمان العاطفي

لماذا نشعر بعدم الأمان في العلاقات؟ فهم أنماط التعلق الأربعة وبناء الأمان العاطفي

 

حين لا يتطابق الحب مع الشعور بالأمان يعيش بعض الأشخاص علاقات مليئة بالمشاعر، ومع ذلك يشعرون بعدم الارتياح.

قد يظهر هذا في القرب المفْرِط، أو القلق الدائم من الهجر، أو الانسحاب المفاجئ؛ دون سبب واضح.

هذه السلوكيات لا تعني وجود خلل نفسي، وإنما تعكس ما يُعرف في علم النفس بـ"نمط التعلق"، أي الأسلوب العاطفي الذي اكتسبه الشخص منذ الطفولة في تعامله مع القرب، والمودة، والانفصال.

فهم هذا النمط ليس مجرد وصف سلوكي، بل خطوة عملية نحو تحسين جودة العلاقات وتحقيق الأمان النفسي والتفاعل الواعي مع احتياجاتنا واحتياجات من نحب.

 

ما نمط التعلق؟

يشير نمط التعلق إلى كيفية تفاعل الإنسان مع القرب العاطفي، وطلب الدعم، والاستجابة للرفض أو الغياب.

وقد أسس الطبيب البريطاني جون بولبي (John Bowlby) هذا المفهوم لفهم العلاقة بين الطفل ومقدِّم الرعاية، ثم تطور لاحقًا ليشمل العلاقات الراشدة.

بناءً على ذلك، حددت النماذج الحديثة أربعة أنماط رئيسة:

أولًا: التعلق الآمن

"أثق بنفسي وبالآخر، ويمكنني الاقتراب دون خوف".

السمات:

· الراحة في التواصل والقرب.

· القدرة على التعبير عن الاحتياج دون قلق.

· التعامل المَرِن مع الخلافات.

· الشعور بالاستحقاق العاطفي.

مثال:

إذا تأخر الشريك في التواصل، يُفترض الانشغال الطبيعي، ويُنتظر التوضيح دون توتر.

ثانيًا: التعلق القلِق

"أحتاج إلى قربك دائمًا، وأخشى أن تبتعد عني".

السمات:

· الحساسية المفْرِطة تجاه التغيرات الصغيرة.

· القلق المستمر من الرفض أو التخلي.

· تكرار طلب الطَّمْأَنة.

· الاعتماد على استجابة الآخر لتهدئة الذات.

مثال:

رسالة مقتضَبة أو تغيُّر في النبرة قد تُفسَّر أنها مؤشر على فتور العلاقة، ما يُثير سلسلة من التساؤلات والقلق.

ثالثًا: التعلق التجنُّبي

"أفضل المسافة؛ فالقرب العاطفي يربكني".

السمات:

· مقاومة الحديث عن المشاعر.

· الانسحاب عند ظهور مطالب عاطفية.

· تقليل أهمية العلاقة أو الاعتماد المتبادَل.

· صعوبة في إظهار الحاجة أو الضَّعف.

مثال:

عند طلب دعم نفسي، قد يرد الشخص بصمت، أو يتحول للحديث عن موضوع مختلف، دون تجاوب عاطفي.

رابعًا: التعلق غير المنتظم

"أحتاج إلى العلاقة، لكنها تُخيفني".

السمات:

· تقلُّب في مشاعر القرب والابتعاد.

· تناقُض داخلي بين الرغبة في العلاقة والخوف منها.

· سلوكيات غير متوقَّعة.

· جذور غالبًا ترتبط بتجارب صادمة في الطفولة.

مثال:

يبادر الفرد بالحديث والتواصل الحميم، ثم ينسحب فجأة دون تفسير، وقد يعود لاحقًا بتقارب مفْرِط جديد.

هل يمكن تغيير نمط التعلق؟

نعم؛ فأنماط التعلق ليست قوالب ثابتة، بل أنماط مكتسبة يمكن تعديلها تدريجيًّا. ويبدأ التغيير من خلال:

1. الوعي بالنمط: التعرف إليه دون إصدار أحكام قاسية على الذات.

2. العلاقات التصحيحية: وهي علاقات مستقرة توفر بيئة آمنة للدعم المتبادل.

3. التمرين التدريجي على التواصل: مثل التعبير عن الاحتياج دون خوف، وتأجيل ردود الفعل التلقائية.

4. الدعم المهني: بالاستعانة بمختص نفسي متمرس في مجال التعلق والعلاقات.

 

لماذا هذا المفهوم مهم؟

· لفهم الذات والآخرين وتقليل الصراعات العاطفية اليومية.

· لتحسين التواصل في العلاقات الزوجية، والأسرية، والتعليمية.

· لمساعدة المرشدين والوالدين في التعامل مع القلق العاطفي لدى الأطفال والمراهقين.

· للوقاية من الدخول في علاقات مؤذية أو غير مستقرة.

 

خاتمة:

العلاقات الأكثر أمانًا تبدأ بالفهم أنماط التعلق لا تُحدد مصير الشخص، بل تمنحه خريطة لفهم نفسه والتطور نحو مزيد من الأمان.

ويمكن لهذا الفهم أن يُحدث فارقًا حقيقيًّا في جودة علاقاتنا، حين ننتقل من رد الفعل التلقائي إلى الاستجابة الواعية. وتماشيًا مع توجهات المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية في برامج التثقيف الأسري والدعم النفسي، يعد نشر الثقافة في هذا الأمر أساسًا مهمًّا لبناء بيئة أكثر وعيًا، واستقرارًا، واحتواءً.

 

مصدر1