لا شك أن بناء جيل قوي قادر على مواجهة تحديات الحياة هو هدف يسعى إليه كل مربٍّ وولي أمر. وفي صميم هذه القدرة تكمن «المرونة النفسية»، تلك القوة الداخلية التي تمكِّن الأبناء من تجاوز الصعاب والتعافي من الأزمات بثبات.
هذه المقالة تسلط الضوء على أهم الأسس التي تنمِّي هذه الصلابة لدى الأطفال، بدءًا من توفير بيئة آمنة وداعمة، مرورًا بتمكين استقلاليتهم وتعزيز عقلية النمو لديهم، وصولًا إلى الدور الحيوي للقدوة الإيجابية التي يقدمها البالغون.
التنشئة في بيئة آمنة وداعمة
الأساس الأول للاتزان النفسي هو شعور الطفل بالأمان العاطفي. بحسب نظرية التعلق لعالم النفس جون بولبي، يُشكِّل الارتباط الوثيق مع الوالدين أو مقدمي الرعاية قاعدةً ينطلق منها الطفل لاكتشاف العالم. لذا، من الضروري توفير بيئة يتلقى فيها الطفل الدعم غير المشروط، مع تعزيز الاستماع الفعال والحوار المفتوح عن مشاعره وأخطائه.
تمكين الاستقلالية والمغامرات الصحية
من أجل بناء شعور بالاستقلالية لدى الأطفال يتناسب مع مرحلتهم العمرية، يجدر بنا أن نوفر لهم مساحة تتيح لهم فرصة الخوض ببعض التجارب بأنفسهم تدريجيًّا. وعندما يتعثرون، ينبغي لنا توجيههم ودعمهم ليجدوا حلولًا بأنفسهم، بدلًا من التسرع في تقديم الحلول الجاهزة.
تعزيز عقلية النمو (Growth mindset)
ترتكز «عقلية النمو» على فكرة تقدير العمل المبذول والأفعال المنجزة عوضًا عن التركيز على الصفات الثابتة كالذكاء. لذا، عند تقديم التحفيز، من الأفضل استخدام عبارات مثل "لقد أعجبني اجتهادك" بدلًا من "أنت شخص ذكي"، لأن ذلك يرسخ أهمية الإصرار ويؤكد قيمة المحاولة بغض النظر عن النتائج.
النمذجة السلوكية من قبل الكبار
لا شك أن البيئة المحيطة بالطفل لها دور جوهري في اكتسابه للسلوكيات، حيث يتعلم كثيرًا عبر الملاحظة والمحاكاة، وهو ما يسمى في علم النفس بـ «التعلم الاجتماعي» وعليه، فإن تعزيز المرونة النفسية لدى الطفل يوجِب على البالغين ممارسة إستراتيجيات إيجابية في التعامل مع الضغوط وتنظيم الانفعالات، كي يَكُونوا صورة جديرة بالمحاكاة.
ختامًا، فإن بناء المرونة النفسية لدى الأطفال مسؤولية مشتركة تتطلب مثابرة من الأهل والمربين، لكنها بلا شك استثمار بالغ الأهمية في مستقبلهم. فتمكين الطفل من أدوات التعامل مع التحديات بهدوء وثقة يجعله أكثر جاهزية لمواجهة الحياة بنجاح في سنواته القادمة. ومن خلال هذه الإستراتيجيات، نساعد في تنشئة أجيال تتمتع بشخصيات متينة ومتوازنة نفسيًّا، قادرة على تخطي شدائد الحياة بثقة راسخة.